Wednesday, May 30, 2012

عليهم ـ جميعاً ـ الإعتذار للأقباط

                                                             
عليهم ـ جميعاً ـ الإعتذار للأقباط

بقلم كمال زاخر موسى

قامت الدنيا ولم تقعد مع الإعلان عن نتيجة الجولة الأولى من إنتخابات رئاسة الجمهورية، وهو أمر متوقع خاصة مع خروج بقية المتسابقين، واختفاء أسماء رشحتها التوقعات بشدة وربما بيقين للوصول لتصفيات الدور النهائى، فإذا بها تحتل مواقع متراجعة بشكل لافت وعصى على التفسير، وقفز ثالث الى قرب الفائزان لدرجة جعلته محل ترقب ومراهنة على صناديق اللحظة الأخيرة، كان الفائزان بحسب ترتيب الأصوات الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين والدكتور احمد شفيق المحسوب على النظام القديم، وكان المرشح الثالث الذى حبس الأنفاس الاستاذ حمدين صباحى أحد المرشحين المحسوبين على قوى الثورة.

كان التاريخ السابق لكلا الفائزين يلاحقهما ويتقدمهما، ويشعل بورصة التكهنات والمواقف والتصريحات فى اتجاهات متباينة، قبولاً ودعماً أو رفضاً ومقاومة، وفى كل الأحوال كان الأقباط فى صدارة المشهد، حتى أن المتابع يستشعر أن معركة الإعادة سارعت باستدعاء انساق سبق طرحها وتفعيلها فى تجربتى استفتاء التعديلات الدستورية وانتخابات البرلمان وقد تحولا إلى انتخابات بنكهة دينية بل وطائفية.

فجأة يخرج علينا الدكتور طارق الزمر عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية لائماً الأقباط على إعطاء اصواتهم للدكتور شفيق ويحسب هذا خيانة للثورة ويطالبهم بالإعتذار، ويثنى عليه السيد عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة ذاتها بتحميل الأقباط مسئولية نجاح الفريق شفيق ووقوفه على اعتاب الإعادة، ويضيف أن اثنين ونصف مليون شاب قبطى اعطوا أصواتهم لشفيق بتوجيهات مباشرة من الكنيسة (!!).

ولم يقل لنا كلاهما مصدر معلوماتهما، ولم يبرزا صك الوصاية لديهما على الأقباط ولم يفسرا انقلابهما على الديمقراطية التى طالما تغنيا بها حين كانت داعمة لقفز تيارات الإسلام السياسى إلى مقاعد البرلمان.

ولم يلتفتا إلى تأكيدات الكنيسة المشددة والرسمية على وقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين، لكنه الهوى والغرض والمناورات الانتخابية وربما الصدمة من انحسار الاصوات المؤيدة لمرشح الإخوان، وتراجع الكتلة التصويتية من 11 مليون فى الإنتخابات البرلمانية إلى أقل من 5.5 مليون فى الانتخابات الرئاسية، وهى اقصى قدراتهم على الحشد التنظيمى، وفاتهم أن الأداء المتراجع لهم تحت قبة المجلس بل والصادم كان وراء هذا الفارق.

ومن المفارقات أن يؤسس هؤلاء موقفهم الإنتخابى على اختيار المرشح القادر على إقامة "شرع الله"، وهذا حقهم وفق قواعد الديمقراطية، ويدفعون الناخبين فى هذا الإتجاه بينما يحاكمون الأقباط على موقفهم المبنى على تخوفات موضوعية من هذا التوجه وفى ذاكرتهم الجمعية تراكمات عملية سجلها التاريخ لجرائم استهدفتهم فى اموالهم وأرواحهم عبر ما يقرب من نصف القرن وتحديداً منذ أحداث الخانكة (القليوبية) 1972 وحتى احداث الماريناب (اسوان) 2012، وكان الأوجب أن يكونوا المبادرين بالإعتذار للأقباط وفق ما يطالبون به على غير حق، خاصة وهذه الجماعة كانت فى مقدمة من تبنوا منهج العنف وفقاً لما أقروا به فى مراجعاتهم الشهيرة.

كنت أظن أنهم يملكون من الدفوع الموضوعية ما يدعم الإنتصار لرؤيتهم دون عسف وتلويح بتهديد أو إعادة انتاج لإرهاب بمغالبة خارج سياق الأعراف الديمقراطية، وما يستتبعه من تحريك الجموع المغيبة والمختطفة بثقافة الجهاد والإنتفاض لرد خطر متوهم ومصنوع.


ولا يستطيع المتابع أن يفهم انقلاب العديد من الرموز المحسوبة على القوى الليبرالية والمدنية واليسارية على مبادئهم، ومسارعتهم بإعلان تأييدهم لمرشح الجماعة، وقد يحسب البعض هذا ضمن حريتهم الشخصية، وقد يبدو هذا صحيحاً للوهلة الأولى، لكن الواقع والمنطق يقول بأنه انقلاب على مواقفهم المدافعة عن حرية الإبداع وحرية التعبير التى يترصدها مشروع هذا المرشح وأدبيات وتصريحات تياره المتشدد، تحت مسميات مراوغة، لنكتشف أن لليبرالية واليسار أيضاً فلولاً ومتحولين.

ولا نعرف مبرراً للإنتقال من صفوف المطالبين بتأكيد دولة القانون إلى صفوف عسكرة التحليل السياسى، ففى الأولى يسود المبدأ القانونى "شخصية الجريمة وشخصية العقوبة"، بينما يرتفع فى الثانية شعار "الحسنة تخص والسيئة تعم" لإحكام السيطرة وفرض الإنضباط على المعسكر، وهنا نتوقف عند الموقف الملتبس والغامض من تحميل الفريق شفيق تبعات اخطاء وخطايا بل وجرائم نظام مبارك، وآيتهم فى هذا وقوع موقعة الجمل حال كونه رئيساً للوزراء، وهى مغالطة فادحة إذ كيف يسأل عن واقعة جرت بعد تسلمه مهام موقعه بأقل من 24 ساعة، ومبادرته بإحالة المتورطين الى المحاكمة فى وقت قياسى، ولست هنا فى موقف الدفاع عنه لكننى احاول اعادة قراءة الواقع بهدوء.

وهناك فصيل ثالث يدعو لمقاطعة انتخابات الإعادة كموقف رافض لكلا الإتجاهين ويرى أن أحلاهما مر، وهو موقف يصب فى صالح قوى الإسلام السياسى لأنه يقع فى ظل استمرار نسق الحشد التنظيمى الذى تمرست فيه الجماعة تأسيساً على مبدأ السمع والطاعة، فإذا بهم ينضمون لصفوفهم بغير ارادتهم. ويخرجون من موقع الحياد الى دعم فصيل لا يقل وفقاً لتحليلاتهم ضرراوة وتهديداً لمدنية الدولة وفق القواعد التى استقرت فى العالم المتحضر بأسره، والتى لا تعلق على شرط ولا تكبل بمرجعية غير الحقوق والحريات العامة.

ولا اظن أن هناك من يسعى لإعادة انتاج النظام القديم أو بعث الديكتاتورية من مرقدها، أو الإلتفاف على مكتسبات ثورة 25 يناير ومناقضتها، وهنا يتوجب علينا البحث عن ضوابط تحمى الدولة ومن ثم الوطن من الإنقلاب على قيم المدنية والليبرالية سواء من المرشح المحسوب على النظام القديم أو مرشح الإسلام السياسى، وكليهما لديه تربصات بقدر متباين مع الثورة، أو على الأقل مع بعض اجنحتها ورموزها.

وهنا ينتقل بنا الحديث والطرح لزاماً إلى حاجتنا إلى وضع دستور قومى محكم يعيد الإعتبار لقيم الدولة المدنية وإقرار الحريات والحقوق العامة وضبط العلاقة بين السلطات فى توازن حقيقى وتاكيد تداول السلطة وإحكام قواعد حماية الموقع الرئاسى من الإختطاف الى مربع الرئيس الابدى، فضلاً عن تحديد دور القوات المسلحة كضامنة لمدنية الدولة فى اللحظات التى يمكن ان تكون محل تهديد من أى فصيل أو تيار.

وقد يكون من المطلوب انتقالياً الإتفاق على وثيقة مبادئ حاكمة تعد بمثابة دستور انتقالى مؤقت وهى لن تولد من فراغ بل يمكنها ان تستند الى وثائق الأزهر الثلاث كمدخل توافقى لقى استحساناً من كافة القوى الفاعلة، حتى نفسح الوقت والظرف لمزيد من الإعداد والتحضير ثم الصياغة لدستور يقف فى مصاف دساتير العالم المتحضر، وننتقل الى دولة مدنية بحصر المعنى، وظنى بل يقينى أنها المعركة الأكثر شراسة ووجوبية بمقدور القوى الوطنية ان تخرج منها منتصرة لدولة حديثة شريطة أن تتخلى ولو لمرة عن انحيازاتها الضيقة، وتنتقل من الطفولة السياسية وعند البعض من المراهقة السياسية الى حالة النضج لحساب وطن يستحق هذا.



 

No comments:

Post a Comment