Thursday, July 29, 2010

الصلاة على محمد




كامل النجار

المسلمون مغرمون بادعاء أن الإسلام يحترم العقل وأن الله عُرف بالعقل. ولكن أفعالهم لا توحي بأي أهمية للعقل. فمثلاً، لا يُذكر اسم محمد بن عبد الله إلا ويردد المسلم “صلى الله عليه وسلم” كما تردد الببغاء بعض الكلمات المحفوظة. ويبلغ هذا الترديد حد السخف في بعض الحالات، فقد ردد أحدهم هذه العبارة ثلاث عشرة مرة في صفحة واحدة من كتابه. فما هي الصلاة التي يطلبها المسلمون لنبيهم؟




تقول الموسوعة الكويتية (الصلاة أصلها في اللغة: الدعاء، لقوله تعالى “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم” أي أدع لهم. وفي الحديث “إذا دُعيّ أحدكم {للطعام} فليجب فإن كان صائماً فليصلِ، وإن كان مفطراً فليطعم” أي إن كان صائماً فليدعُ لأرباب الطعام) انتهى. فإذاً الصلاة هي الدعاء وهي كذلك الركوع والسجود.
و الكلمة مأخوذة من الكلمة الآرامية (ص ل ا) ومعناها ركع وانحنى. يقول لسان العرب (الصلاة هي الدعاء والاستغفار. وقال أهل اللغة: الصلاة أصلها من الصلوين وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها، وأول موصل الفخذين من الإنسان، فكأنما هو مكتنفا العصعص. والمصّلي من الخيل: الذي يجيء بعد السابق (أي الثاني) لأن رأسه يلي صلا (أي مؤخرة) ظهر الحصان المتقدم) انتهى. ويمكن أن يقال نفس الشيء عن المصلين في صلاة الجماعة إذ يلي رأس كل مصلي مؤخرة الشخص الذي يسجد أمامه.
ويقول القرطبي في تفسيره (أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد دون أنبيائه، تشريفاً له، ولا خلاف أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها إلا من لا خير فيه. فإن قلت الصلاة على رسول الله واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة. وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره. وفي الحديث ” من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله”) انتهى.
فالصلاة، رغم ما فيها من تعظيم للإله، هي دعاء يدعو به المصلي ربه أن يرحمه أو يرحم شخصاً آخراً. والصلاة كشعيرة من شعائر االعبادة كانت معروفة للناس منذ أزمان غابرة. والمجتمعات القديمة كلها من آكاديين وبابليين وسومريين وقدماء المصريين والهنود الحمر وغيرهم كانت لهم صلواتهم الخاصة التي يتقربون بها إلى آلهتهم. والقرآن يقول عن عرب ما قبل الإسلام (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديةً فذوقوا العذاب بما كنتم تكذبون) (الأنفال 35). فالصلاة إذاً ليست عبادة إسلامية خاصة وليس هناك أي سبب يجعل الله يحصرها على محمد دون بقية الأنبياء.
وهناك أنواع من الصلاة ذكرها القرآن ولكنه لم يبين لنا كيفيتها، (ألم تر إلى الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (النور 41). فصلاة الطير حتماً ليس فيها ركوع وسجود. وليس بها دعاء لأن الطيور لا تعرف كلمات الدعاء. يقول ابن الإعرابي (الصلاة من الله هي الرحمة، ومن المخلوقين – الملائكة والإنس والجن- القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام هي التسبيح) انتهى.

ولا نعلم الطريقة التي عرف بها ابن الإعرابي أن صلاة الملائكة والجن هي القيام الركوع والسجود وصلاة الطير هي التسبيح. فابن العربي حتماً لم ير الملائكة والجن وهم يركعون أو يسجدون، ولم يكن يفهم لغة الطير والهوام حتى يؤكد لنا أن صلاتهم هي التسبيح. لا شك إنه الخيال الخصب لرجالات الدين.
و أنواع صلاة المسلم كثيرة ومتعددة، فهو يصلي على الميت ويصلي خوفاً عندما يحدث الكسوف أو الخسوف، ويصلي طلباً واستجداء للماء عندما تشح السماء بأمطارها ويصلي صلاة الاستخارة طالباً من الله أن يختار له القرار الصائب. وكل هذه الصلوات ماهي إلا دعاء لله ليستجيب إلى طلباتهم، وكيفية هذه الصلوات معروفة.

ولكن كيف يصلون على النبي؟

فالمسلم حتما لا يقرأ القرآن ولا يركع عندما يصلي على النبي، فهل صلاته هي أن يدعو الله أن يرحم محمد ويدخله الجنة؟ فمحمد قد أخبرهم أن الله قد اختاره من جميع إبناء آدم ليكون رسوله المفضل وأعطاه الحق في أن يبشر بعض الناس بالجنة، فبشر العشرة المعروفين بالجنة. وقال لأصحابه إن حوضه في الجنة يسع الجميع. فهو إذاً من الذين رضى الله عنهم وهداه إلى الإسلام وضمن له الجنة ورزقه مالاً وولداً. فبأي شيء آخر يدعو له المسلم؟

فالذي يدعو الله أن يرحم محمد ويعطف عليه يكون كمن يبيع المية في حارة السقايين. وهذا يذكرني بالحادثة التي قتل فيها عُدي، ابن صدام حسين، أحد الطباخين بقصر والده، وأراد صدام خداع الناس فحبس عدي بالحراسة، فما كان من السيد وزير العدل وقتها إلا أن كتب خطاباً مفتوحاً إلى السيد الرئيس يقول فيه “إني أخاف على إبنك منك” وتوسل للرئيس أن يطلق سراح عُدي. ولم يكن هناك أي داع لخوف الوزير لأن الأب أرحم بإبنه من الوزير. والله أرحم بنبيه من المسلمين. ثم أن المسلمين لا يقولون “اللهم صلي على محمد” وهو طلب الرحمة له، وإنما يقولون “صلى الله عليه وسلم”. وصلى فعل ماضي يفيد أن الله قد صلى وانتهى من صلاته على محمد. فإذا كان هذا هو الحال، فما الفائدة من تكرار ذكر فعل قد حدث وانتهى؟ بعضهم سوف يقول إن الفعل الماضي هنا يقصد به المضارع كما نقول “غفر الله له” ونقصد “يغفر الله له” ولكن لماذا نستعمل الماضي ونعني المضارع؟

لماذا لا نستعمل المضارع ما دمنا نقصده؟

ولكنها مأساة العربي، يقول شيئاً ويقصد غيره، والقرآن مليء بهذا النوع من الأقوال.
بدأت قصة الصلاة على النبي بآية قرآنية تقول (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزاب 56). والأحزاب سورة مدنية جاءت بعد غزوة الأحزاب في العام الخامس الهجري. فالصلاة على النبي لم تبدأ إلا في العام الثامن عشر من بدء الرسالة. فما الذي استجد وقتها حتى يطلب الله من المؤمنين أن يصلوا على نبيهم؟

وهل حقيقةً كان فرض الصلاة على محمد دون بقية الأنبياء كما يقول القرطبي؟

فالعقل يحتار في تعليل فرض الصلاة على محمد فقط دون بقية الأنبياء والرسل، في حين أن الله قد قال إن إبراهيم هو خليله وإن موسى هو كليمه الذي تحدث معه مباشرةً دون واسطة، وإن يعقوب كان من أفضل أنبيائه لدرجة أنه جعل كل الأنبياء من ذريته ماعدا محمد، وإن عيسى بعضٌ من روحه الذي نفخه في فرج مريم، فلماذا يا تُرى حصر طلب الرحمة على محمد فقط؟

وإذا كان هذا صحيحاً، لماذا يقول المسلمون في الدعاء: “اللهم صلِ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم”؟ فالله الذي صلى على إبراهيم وآله، هل يُعقل أن يحصر صلاة الناس على محمد فقط؟
وما دامت الصلاة هي الدعاء بالرحمة، فكيف يصلي الله على المؤمنين كافة، كما يقول القرآن (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) (الأحزاب 43). ويقول القرآن كذلك (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أؤلئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) (البقرة 156-157). فهل يدعو الله قوى أخرى لترحم المؤمنين عندما يصلي عليهم أم صلاته عليهم هي رحمته لهم؟ وإذا كانت كذلك، لماذا يطلب من الملائكة أن تصلي أي تدعو للمؤمنين بالرحمة وهو قد أكد أنه يرحمهم على كل حال لأنه قال إنه يصلي عليهم؟ ولماذا طلب من النبي أن يصلي على الذين يتصدقون ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم” ؟ وما دامت الصلاة هي دعاء، فلماذا يُحصر الدعاء على محمد فقط، فلا بد أنه يجوز للمؤمن أن يدعو الله أن يرحم أي شخص يختاره، ولله الحق في أن يرحمه أو لا يرحمه، رغم أنه يصلي على كافة المؤمنين. وكتب الحديث تخبرنا عن حديث عبد الله بن أبي أوفي الذي قال فيه: كان رسول الله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِ عليهم. فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صلِ على آل أبي أوفي. (1). فالطلب من الله أن يصلي على المخلوق ليس مقصوراً على النبي كما يقول القرطبي. وإذا كانت صلاة الله على المؤمنين هي رحمته لهم، كيف نعلل ما حدث لملايين المؤمنين الذين يبدو أن الرحمة لم تشملهم فعانوا أقسى أنواع الموت في الزلازل والتسونامي والمجاعات، وبعضهم أطفال لا ذنب لهم بعد، فماذا حدث لصلاة الله على المؤمنين؟
وابن الأثير يقول (لما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة على النبي ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا: اللهم صلِ أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به. وهذا الدعاء قد أُختلف فيه، فهل يجوز إطلاقاً على غير النبي أم لا؟ والصحيح أنه خاص له ولا يقال لغيره.) انتهى. وقد رأينا في الفقرات السابقة أن الصلاة ليست محصورة على محمد، ولكن كيف يقول ابن الأثير إن صلاة المسلمين على محمد لم تبلغ قدر الواجب فطلبوا من الله ان يصلي على محمد بنفسه، لأنه أعلم بما يليق به؟

هل كان الله لا يعلم أن صلاتهم لن تبلغ قدر الواجب عندما أمرهم أن يصلوا على محمد؟
وأهل الحديث أدلوا بدلوهم في الصلاة على النبي، فقالوا: عندما قيل للنبي: أرأيت قول الله عز وجل “إن الله وملائكته يصلون على النبي” فقال: (هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به. إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أُذكر عند مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذلك الملكان: غفر الله لك، وقال الله تعالى وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين. ولا أُذكر عند مسلم ولا يصلي عليّ إلا قال ذلك الملكان: لا غفر الله لك، وقال الله وملائكته لذينك الملكين: آمين.) (2)
ومن الواضح أن هذا الحديث يتعارض مع العقل تعارضاً تاماً لأن كلماته لا تتناسب وعظمة إله خالق. فكلمة “آمين” في اللغة تعني طلب القبول. فعندما يدعو الإمام ويقول المصلون خلفه “آمين” فهم يطلبون من الله أن يستجيب للدعاء، ومعناها الحرفي “استجب”. فإذا قال الملكان الموكلان بمحمد للمسلم الذي يصلي عليه: غفر الله لك، كبف يقول الله “آمين” أي استجب.

ممن يطلب الله الاستجابة؟

وهناك حديث آخر يقول (من صلى عليّ صلاةً صلت عليه الملائكة عشراً). فالملائكة التي تقول “آمين” استجابةً لذينك الملكين، تصلي عشر مرات كذلك على كل مسلم صلى على محمد. فالملايين الذين يصلون على محمد في اليوم عشرات المرات تصلي عليهم الملائكة عشر أضعاف صلواتهم. ما أطول يوم الملائكة. ولكن الأدهى من ذلك أن الذي لا يصلي على محمد يدخل النار فيبعده الله، كما يقول الحديث النبوي ” من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله.” أليس هذا عقاباً في منتهي القسوة لمؤمن لا يدعو الله أن يصلي على محمد وهو يعلم أن الله يصلي عليه سواء دعاه أم لم يدعه؟
وبما أن أهل الحديث كانوا دائماً في تنافس وعداء، فقد جاء أحدهم بحديث أكثر أهمية إذ قال: قال رسول الله “إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عليّ فإنه من صلّى عليّ صلى الله عليه عشراً.) (3). ولكن الله نفسه كان قد أخبرنا أنه يصلي على المؤمنين دون أي شرط، فلماذا يصلي المؤمن على محمد حتى يصلي الله عليه عشراً؟ هل صلاة الله الواحدة على المؤمن لا تكفي لإدخاله الجنة؟ وما دام الله يصلي أي يرحم المؤمنين، لماذا طلب من نبيه أن يصلي على المتصدقين ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم”؟
وأخيراً: لماذا لا يسأل المسلم نفسه: لماذا يكرر الصلاة على محمد في حين أنه يعلم أن الله يصلي عليه، سواء دعوناه أم لم ندعه؟ والأغرب من ذلك أن الله أخبرنا أنه يصلي على محمد وكذلك تفعل ملائكته، ثم قال للمسلمين (فصلوا عليه وسلموا تسليما) أي أطلبوا له الرحمة مني. فما الحكمة في أن يأمر الله المسلم أن يدعوه ليرحم محمد وهو قد رحمه مقدماً وأخبرنا بذلك بنفسه؟ هل الله مغرم برؤية المسلمين والملائكة والجن يتوسلون إليه عشرات المرات في اليوم الواحد حتى يشعر بعظمتة وأهميته؟ ما أتفه دور العقل في التراث الإسلامي.

————–

الهوامش والمرجع

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، سورة البقرة، الآية 49

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي، ج6، سورة الأحزاب

(3) الواسطة بين الحق والخلق، الإمام ابن تيمية، ص 14

No comments:

Post a Comment