Tuesday, June 2, 2009

عندما تتفنن الحكومة المصرية في إنكار الواقع...بدلا من إصلاحه!




بدوى مصر النازي محمدحسنى مبارك ضد المسيحيه


عادل جندي

الحلقة الأولى:http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/5/443823.htm
بعد وقفة ضرورية لتهدئة الأعصاب، نستكمل فحص أقاويل الحكومة المصرية باستعراض الخطاب الذي أرسل بالفاكس من مكتب وزير الخارجية المصري في يوليو ٢٠٠٨ إلى وزارة خارجية إحدى دول وسط أوروبا. يقول تحت عنوان العنوان السابق («جهود علي المستوي القومي لمزيد من تعميق حقوق الأقباط المسيحيين المصريين»):[[٣ ـ ب: ضاعفت وزارتا التعليم والإعلام الجهود الساعية لتضمين قيم التسامح الديني في المقررات الدراسية وفي سياسات الميديا]].من المذهل أن يجد كتبة خطاب الحكومة الجرأة غير العادية للتحدث عن جهود «بث قيم التسامح» في التعليم والإعلام، بينما الذي يجري على أرض الواقع هو على النقيض تماما. هل لنا التذكير بمقررات اللغة العربية التي أثبتنا في دراسة مفصلة (تحت عنوان «طلبنة التعليم المصري») كيف تحولت إلي دروس في الإسلام الأصولي والمتطرف وكيف أصبحت خطرا على الطالب المسلم إضافة للمسيحي؟ والغريب أنه برغم نشر الدراسة في ديسمبر ٢٠٠٧ وما أثارته من ردود فعل ـ أقلها الدهشة والاستغراب ـ وكونها أرسلت لكل من يعنيهم الأمر مثل رئيس مجلس الشعب ورئيس الوزراء ووزير التعليم ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب ورئيس لجنة السياسات بالحزب الحاكم؛ كما نوقشت في مؤتمري «مصريون ضد التمييز» المنعقدين في أبريل ٢٠٠٨ وأبريل ٢٠٠٩ وصدرت توصيات حاسمة بشأنها؛ رغم كل هذا فلم يصدر عن الدولة مجرد بادرة تدل علي «النية» لعمل شئ، مما يؤكد أن الأمر سياسة مقررة.وهل لنا التذكير بما يحدث في كثير من المدارس من مظاهر الهلوسة الدينية (أناشيد وهتافات دينية بدلا من الوطنية، الخ)، ومظاهر «الفصل العنصري» حيث يتكاتف ويتعاهد العديد من الطلاب (بتشجيع من الأهالي والأساتذة) على عدم الاختلاط أو اللعب مع زملائهم الأقباط..وهل لنا التذكير بكيف أصبحت الميديا المملوكة للدولة ـ بكافة أنواعها ـ أجهزة دعاية ودعوة لدين معين وتحقير لكل ما عداه. وقد قامت بدور تخريبي في غرس التعصب والاستعلاء الديني في العقل الجمعي للمصريين مما ساعد على نشر ثقافة الكراهية والعنف ضد الآخر «شريك الوطن» بالصورة الكارثية التي نراها ونعيشها حيث أصبح «الناس العاديون» (وليس «الإرهابيون») هم من يمارسون العدوان بل ويتلذذون به. وما تقوم به سياسات الدولة وإجراءاتها التمييزية ينمي هذه الثقافة ويبني عليها، فيما يشبه «دائرة حث ذاتي إيجابي» (feedback loop) أو كرة الثلج المتعاظمة الحجم والتي تسحق كل من يقف في طريقها.***ويستمر الخطاب فيقول:[[٣ـ ج ـ أعلنت حكومة مصر عيد الميلاد للأقباط الأرثوذكس (٧ يناير) أجازة رسمية لكل المصريةد ـ أعادت الحكومة أراضي الأوقاف القبطية للكنيسةهـ ـ نظمت الحكومة احتفالا هاما عام ٢٠٠٠ في ذكرى رحلة العائلة المقدسة لمصر قبل ألفي عام]].أجازة ٧ يناير كانت هدية كريمة تم شكر الرئيس عليها آلاف المرات. وكنا نتمنى أن تكون بداية طريق تتبعه خطوات كثيرة على صعيد إقرار مواطنة الأقباط وليس مجرد حدث استثنائي. وأيضا كان الاحتفال بألفية زيارة العائلة المقدسة لفتة كريمة ـ ذات مردود سياحي لا بأس به!ولكن الغريب أن يتحدث الخطاب عن الأوقاف القبطية القليلة التي أعيدت (معظمها، وليس كلها) بعد اغتصابها بدون وجه حق، وكأنه منة!***ويستمر الخطاب في الفشخرة الكاذبة فيقول[[٣ ـ و ـ تم تعيين عدد من الشخصيات القبطية كوزراء أو رؤساء لهيئات قضائية، ومحافظين وأعضاء في (البرلمان) وكبار موظفين بالدولة]].هذه الادعاءات كان يمكن أن تكون سببا للتفكه لو لم تكن مضللة بصورة تراجيدية، وتبدو كمحاولة رعناء للتغطية على واقع مظلم فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والوظيفية للأقباط في إدارة شئون وطنهم.موضوعٌ كُتب حوله الكثير حتى أصابنا السأم ـ وربما كان هذا بالضبط ما يريده «المسئولون»: أن نصاب بالسأم والقرف بينما السياسات المتعمدة تستمر كما هي، وكأنها «بولدوزر» هائل يتحرك بتؤدة واثقة، ولا يسمع سائقه حتى صرخات من يدوسهم في طريقه!لاحظ كيف يتحدث الخطاب عن أنه «تم تعيين عدد من الشخصيات القبطية كوزراء....» وكأن الأمر جديد، بينما الجديد منذ ١٩٥٢ هو حظر تقلد الوزارات «السيادية» (فقد تولى أقباط قبلها، منذ أواخر القرن التاسع عشر، رئاسة الوزارة ثلاث مرات، ووزارة الخارجية ووزارة الحربية)، واقتصارهم الآن على وزارات ثانوية (إضافة إلى «بيت المال» مؤخرا، وهذا أمر كان يحدث معظم أيام دول الخلافة ـ لأسباب «فنية» بحتة لا علاقة لها بالمساواة).لاحظ أيضا الكلام عن «البرلمان» الذي لا يضم سوى عضو قبطي واحد «منتخب» (!) (كان هو المرشح القبطي الوحيد للحزب الحاكم في ٢٠٠٥) إضافة لأربعة من «المعينين» ـ أي إجمالا بنسبة واحد بالمائة من أعضائه.لاحظ أيضا الكلام عن «المحافظين» الأقباط (بالجمع!)، بينما هناك واحد وحيد تم تعيينه في ٢٠٠٥ بعد عقود من التردد، وبينما لا يوجد في الحكم المحلى بأكمله رئيس مجلس مدينة قبطي... (وبهذه المناسبة نلفت نظر أولى الأمر الأعزاء بأن فرنسا بها محافظان وثلاثة وزراء من المهاجرين المسلمين، وأن الحكومة الهولندية قد عينت في يناير الماضي السيد «أحمد أبو طالب»، المغربي المنشأ (هاجر في سن ١٥)، عمدة لمدينة روتردام ـ ثاني أكبر مدن البلاد، وأكبر ميناء بحري في أوروبا).ويتحدث الخطاب بجرأة عن «كبار موظفين (أقباط) بالدولة» بينما قد أثبتنا مرارا وتكرارا وجود سقف لا يتعدى ٢٪ لدخول الأقباط في كافة أجهزة الدولة فضلا عن حظر دخولهم في «أجهزة معينة».***يضيف الخطاب: [[ويرأس المجلس القومي لحقوق الإنسان د. بطرس بطرس غالي، الذي هو أيضا شخصية قبطية مرموقة، كما أن المجلس نفسه يضم عددا من الأعضاء الأقباط]] ويستمر متحدثا عن «إنجازات» المجلس القومي لحقوق الإنسان، منذ إنشائه.. وهذا ما قد نعود إليه في مقال قادم...***ثم يتعرض الخطاب لموضوع «الأسلمة القسرية» فيقول:[[١ـ موضوع التحول من دين لآخر يتم التعامل معه بدون أي لبس في القانون المصري. فلا توجد هناك أي قيود قانونية تمنع أي شخص من تغيير عقيدته.٢ـ ادعاءات «التحويل القسري» يجب التحقق منها. كل ادعاء حدث في الماضي جرى فحصه بواسطة الشرطة ومكتب النائب العام في مصر. وعلى الدوام فقد تبين أن كل الادعاءات من هذا النوع كانت بدون أساس، قامت بها أسر لفتيات قبطيات صغيرات كن في علاقات عاطفية مع رجال مسلمين. ولم يحدث أن تحقق عامل القسر ولم يحدث ولا مرة أن كان المدعي بالتحويل القسري هو الشخص المعني بذاته.٣ـ نعتقد أن إطلاق مثل هذه الادعاءات هو غاية في انعدام المسئولية. والأثر الوحيد لمثل هذه الأفعال هو تأجيج نيران التطرف والعدائية بين المصريين. إضافة لذلك، فإن مثل هذه الادعاءات تبدو وأنها توحي بكون الحكومة متواطئة بصورة ما. الحكومة يهمها تماما أن يسود الوئام الديني والاجتماعي، ولا تألو جهدا في المحافظة عليه، كما يتبين من الإجراءات السابقة. وبالمناسبة فقد قامت الحكومة بتأسيس تقليد يتطلب عقد جلسات «نصح ديني» (للمسيحيين، بحضور ممثلين عن الكنيسة) قبل السماح باستكمال إجراءات التحول. وهذا يتم من أجل التأكد من أن الشخص قد توصل إلى قراره (ها) بمحض الإرادة الحرة وبعد فحص مدقق، وبالأهم بدون شبهة قسر. ٤ـ وبالإضافة لذلك، فإن عددا من الحالات رفع للمحاكم المصرية، بخصوص حق الأفراد الذين تحولوا من الإسلام في استصدار بطاقات هوية ووثائق تثبيت شخصية أخرى تبين هويتهم الدينية الجديدة. وقد حكمت المحكمة الإدارية العليا لمصر في هذا الأمر في ٩ فبراير ٢٠٠٨ وأكدت حق الأشخاص الذين تحولوا من الإسلام للمسيحية في استصدار مختلف الوثائق الحكومية للهوية وأن يذكروا فيها ديانتهم]].ولا يسعنا سوى الاستمرار في مقاومة الدهشة والتحلي بالصبر والهدوء:١ـ صحيح، مرة أخرى، أن الدستور «يضمن حرية العقيدة» وأن القانون لا ينص على شيء محدد بشأنها، لكن اللوائح والممارسات الإدارية هي ـ كما يقول الخطاب ـ «بلا لبس» (!) بمعنى أنها تقوم بمساندة التحول للإسلام فقط ولم يحدث أن قبلت إدارة حكومية (مصلحة الأحوال المدنية أو الشهر العقاري) تسجيل حالة عكسية إلا في حالات نادرة صدر فيها حكم قضائي. ولم نسمع أن القائمين على هذه الإدارات الحكومية قد حوسبوا من رؤسائهم (الوزير أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية) على هذه الممارسات التي لا يعتبرونها خاطئة بدليل عدم المحاسبة عليها! وهل لنا أن نُذكّر بمهازل تسجيل مسيحيين «بالخطأ» باعتبارهم مسلمين، وكيف يجب عليهم الدخول في أتون البيروقراطية المصرية لمحاولة تصحيح الأخطاء؟ بل إن الأجهزة الإدارية ترفض أحيانا تنفيذ أحكام القضاء (مثلما يحدث في حالات البهائيين) وتستأنفها ليظل المواطنون تحت رحمة أجهزة متعنتة ومتعصبة لدولة «يكفل دستورها حرية العقيدة»!! ٢ـ نكرر ما هو بديهي عن حق الشخص البالغ في اعتقاد ما يشاء بكامل حريته وبدون ضغط أو إغواء. ونضيف: إذا كان التحويل عن طريق «الخطف والإجبار» مازال نادر الحدوث، إلا أن كثرة الحالات التي تحيط بها ظروف أقل ما يقال عنها أنه مريبة تجعل الأمر يصل إلى كونه ظاهرة لا يمكن السكوت عليها، وخاصة فيما يتعلق بالفتيات القبطيات الصغيرات القاصرات، مما لا داعي للخوض فيه من جديد.. ٣ ـ ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة (وأقرب إلى الكذب!) من الادعاء الحكومي الفاجر بشأن «جلسات النصح». فالحقيقة أن هذه الجلسات تعود إلى ١٨٦٣ أيام الخديوي اسماعيل الذي قصد بها توفير قدر من حيادية الأجهزة الحكومية عند إثبات تحول مسيحي إلى الإسلام. وبغض النظر عما أصبح يشوب هذه الجلسات خلال العقود الأخيرة من تعنت كاد يفرغها من مضمونها، فقد قامت وزارة الداخلية بإلغائها تماما في ٢٠٠٥ بدون إبداء أسباب أو حتى الرد على تساؤلات الصحف وجماعات حقوق الإنسان.٤ـ صحيح أن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا في فبراير ٢٠٠٨ في قضية «العائدين للمسيحية» حكمت بحق رافعي القضية (٤٥ شخصا) في الحصول على بطاقات شخصية، لكنها قررت أن يكتب فيها «مسيحي ـ مسلم سابقا» (!). ولا داعي للدخول في التبعات الحياتية لمثل هذا النص العجيب لكن، على أي حال، ولاستكمال كوميديا «حرية العقيدة على الطريقة المصرية» فقد سارعت دائرة أخرى من نفس المحكمة بتعليق تنفيذ الحكم وطلبت من المحكمة الدستورية العليا أن تقرر بشأن دستوريته في «ضوء» (!!) المادة الثانية باعتبار أن المسيحي الذي دخل الإسلام ـ أيا كانت أسبابه ـ قد أصبح مسلما وبالتالي خاضعا للشريعة الإسلامية التي تمنع المسلم من الارتداد عن دينه (بينما لا يوجد نص في القانون بشأن الردة!!). وما زالت القضية (ونحن في آخر مايو ٢٠٠٩) في رحاب المحكمة الدستورية. ونضيف: إذا كانت تلك المادة الثانية «موجهة للمشرع» كما يقال كثيرا من باب «التتويه»، فلماذا يستند إليها بعض القضاة؟ وإذا كان لهم حق تجاهل القانون والرجوع لنصوص دستورية، فلماذا يتجاهلون المادة ٤٦ ويستندون فقط إلى المادة الثانية؟؟ بل وصل الأمر بأحد القضاة إلى ابتداع نظرية لاهوتية جديدة حول «السلم التصاعدي للأديان» (يهودية ثم مسيحية ثم إسلام) بما يسمح للمرء التحول في اتجاه واحد وليس غيره! ولم نسمع بأن جهات التفتيش القضائي قد ساءلته عمن أعطاه الحق ـ كقاض ـ في اختراع أمثال هذه القواعد العجيبة.***وبعد هذا كله، يغضب المسئولون المصريون عندما تنتقد الدول والهيئات والمنظمات الأجنبية ممارسات الدولة في هذا الشأن!خلاصة الكلام هي تقديم هذه النصيحة الصادقة الصدوقة: عند إعدادها لملف مصر الخاص بآلية المراجعة الدورية لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فعلى حكومتنا الذكية تحاشي اللجوء للأسلوب الذي اتبعته في هذا الخطاب. ويا حبذا لو قامت ـ حتى من باب تحسين الصورة ـ بأفعال وإجراءات تتكلم عن نفسها، بدلا من تضييع الوقت والتفذلك في ابتكار كلام فارغ. adel.guindy@gmail.com

No comments:

Post a Comment